«فرانس برس»: توسع زراعة القمح يستنزف المياه الجوفية وسط تحذيرات من كارثة بيئية

«فرانس برس»: توسع زراعة القمح يستنزف المياه الجوفية وسط تحذيرات من كارثة بيئية
ري القمح بمياه الآبار في العراق

 

ارتفعت المخاوف بين الخبراء في العراق من الإفراط في استغلال المياه الجوفية، مع اتساع رقعة المساحات المزروعة بالقمح في بلد يعاني أصلاً من موجات جفاف متكررة وتراجع منسوب الأنهار.

يعتمد الفلاحون في تلك المناطق البعيدة عن نهري دجلة والفرات على أنظمة ريّ بالرشّ تُعدّ أكثر كفاءة، إذ تقلّل من هدر المياه بنسبة تصل إلى 50%. 

هذه التقنيات باتت شائعة في العراق خلال السنوات الأخيرة، في محاولة لتعويض شح المياه السطحية بحسب فرانس برس.

المياه الجوفية ملاذ أخير

تراجعت كميات المتساقطات ومعدلات جريان الأنهار، ما دفع السلطات العراقية إلى اللجوء إلى المياه الجوفية لتأمين الزراعة، بينما تشير الأمم المتحدة إلى أن العراق يُعدّ من أكثر خمس دول تأثراً بالتغير المناخي.

وقال هادي، البالغ من العمر 46 عاماً، مرتدياً دشداشة بيضاء وسط حقله وهو يتفقّد سنابل قمحه المزروعة بمياه الآبار: "كنا نعتمد على الأمطار في السابق، لكن تغيّر المناخ والتصحر دفعاني لاعتماد الريّ الحديث"، أرضه التي كانت تنتج عشرة أطنان من القمح على عشرة دوانم، توسّعت لتشمل 200 دونم تؤجرها له الدولة بسعر رمزي، وتنتج الآن نحو 250 طناً.

الزراعة تتوسع والمخاوف تتزايد

شهدت زراعة القمح توسعاً ملحوظاً في صحراء النجف بدعم حكومي يشمل تقسيط أنظمة الري وتأجير الأراضي بأسعار مخفّضة، وشراء المحصول بأسعار تفضيلية، وأكّد مدير زراعة النجف، منعم شهيد، أن "زراعة الصحراء تنتج غلة أعلى من الأراضي الطينية"، لافتاً إلى أن العائدات ارتفعت في موسم 2023-2024 بمعدل ثمانية أضعاف عن الموسم السابق.

وبيّن شهيد أن السلطات العراقية تنوي تنظيم عمليات حفر الآبار من خلال تشديد الرقابة، بهدف استخدام المياه الجوفية حصراً في الزراعة وبكميات مدروسة.

مشاريع دينية توسّع الزراعة

في صحراء كربلاء، واصلت العتبة الحسينية إدارة مشاريع زراعية كبرى تشمل آلاف الدوانم من القمح، وصرّح قحطان عوز، المسؤول عن قسم التنمية الزراعية في العتبة، بأنهم يطمحون إلى توسيع المساحة المزروعة من أربعة آلاف إلى 15 ألف دونم.

وتعتمد هذه المشاريع على خزانَي "الدمام" و"أم الرضمة" الجوفيين، اللذين تشترك فيهما العراق مع السعودية والكويت. لكن تقارير الأمم المتحدة منذ 2013 تؤكد أن منسوب المياه فيهما بدأ بالانخفاض.

دروس من السعودية

استفادت السعودية في التسعينات من زراعة القمح عبر استنزاف المياه الجوفية، مما جعلها سادس أكبر مصدر عالمي آنذاك، غير أن الإفراط في الاستخدام استنزف أكثر من 80% من الخزان الجوفي، ما دفعها لوقف هذه الزراعة بعد 2016.

وحذّر الخبير العراقي في سياسات المياه سامح المقدادي من تكرار التجربة، قائلاً: "ما كان يمكن الوصول إليه بحفر 50 متراً في الماضي، يتطلب اليوم عمقاً قد يصل إلى 300 متر"، وأشار إلى أن غياب البيانات الرسمية عن حجم الموارد الجوفية يزيد الوضع خطورة، خصوصاً مع افتقار البلاد لتقنيات المسح الجيولوجي والإرادة السياسية الحقيقية.

تحذيرات من كارثة بيئية

أكّد المقدادي أن المياه الجوفية يجب أن تُستخدم فقط في حالات الطوارئ، مثل سنوات الجفاف، وليس للتوسع الزراعي التجاري، واعتبر أن الرهان عليها بديلاً دائماً عن المياه السطحية يعني كارثة للمستقبل.

يمثل الأمن الغذائي أولوية ملحّة للعراق، خاصة بعد تراجع منسوب نهري دجلة والفرات نتيجة التغير المناخي والسدود المقامة في دول الجوار، وبينما تسعى السلطات إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح، تُهدد الموارد غير المتجددة مثل المياه الجوفية بالنضوب، ما قد يترك تأثيرات بيئية واقتصادية واسعة على الأجيال المقبلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية